( شاعر العراق المنسي...وقصة اغنية /سكن الليل/ للرائعة فيروز.........)
كان ذلك… في ربيع عام ١٩٧٠ عندما كنت اقلّب اولى صفحات ديوان ( شقائق النعمان) لشاعر لم اسمع باسمه قط. ولعل عنوان الكتاب الزهري هو الذي لفت نظري وجذب انتباهي عندما كنت اتصفح الكتب المرتبة على رفوف مكتبة الرمادي المركزية في ذلك الزمان.
فاستهوتني قصيدة غزلية على احدى صفحات هذا الديوان. لا زلت اذكر بعضا من ابياتها:
تعلقتها والورد حلَّى...... خدودها
مكحلة حوراء ......ناعسة الطرف
فلمَ اجتني الازهار والوجه روضة
تجلت به الازهار...... طيبة العرف
ولمَ استقي خمرا فيغضب خالقي
وفي ثغرها خمر يجل عن الوصف
واني بجندي.... واسيافي وقوتي
ازاء سهام العين في غاية الضعف
ولكن….… .من هو هذا الشاعر .
انه الشاعر العراقي الشهيد الشاب نعمان ثابت عبد اللطيف( رحمه الله). وربما لم يعرف الكثير من العراقيين هذا الشاعر. بل ربما لم يسمعوا بأسمه اطلاقا.
انه بحق شاعر العراق المنسي.
ولد في بغداد عام ١٩٠٥ . وبعد ان اكمل دراسته الاولية التحق بكلية الطيران الحربي ليتخرج ضابطا طيارا عام١٩٢٧.
استشهد اثناء سقوط الطائرة التي كان يقودها في مهمة استطلاع جوي فوق قضاء السماوة ( محافظة المثنى) عام ١٩٣٧. في زمن حكم الملك غازي ، عن عمر لم يتعدى الثلاثين الا بعام واحد. وترك خلفه( رغم قصر عمره ) العديد من الكتب والمخطوطات منها:
_ ( الجندية في الدولة العباسية)
_( اليزيديون)
_( اثار العراق)
_( مذكرات ضابط استخبارات الماني)
_( رسالة في الشطرنج)
_( مصرع المتوكل) وهي رواية تأريخية.
وكانت من ضمن محتويات الديوان ثمان موشحات. ومن بينها قصيدة او موشح ( سكن الليل).
وشاءت الاقدار ان يزور لبنان في العام ١٩٦٧ الموسيقار محمد عبد الوهاب ليلتقي بالسيدة فيروز التي طلبت منه لحنا جديدا لقصيدة مغناة.
وبدأت بأختيار ما يروق لها من بين ١٥٠ نصا شعريا تم تقديمها لها. وكانت قصيدة ( سكن الليل) من ضمن هذه النصوص ولكنها كانت منسوبة لغير شاعرها الاصلي. فاختارت فيروز هذه القصيدة التي كانت تعتقد كما يعتقد الكثير من اللبنانيين انها للشاعر والاديب اللبناني الكبير جبران خليل جبران.
وابدع الموسيقار عبد الوهاب بتلحينها متنقلا بين العديد من المقامات الغنائية . واشترك الاخوان رحباني بتوزيع الموسيقى . وهكذا غنت فيروز قصيدة الشاعر العراقي المنسي نعمان ثابت عبد اللطيف دون ان تدري !!!!!.
تقول كلمات هذه الاغنية:
سكن الليل..وفي ثوب السكون تختبي الاحلام.....
وسعى البدر...وللبدر عيون ..ترصد الايام..
فتعالي يا ابنة الحقل نزور كرمة العشاق..
علَّنا نطفي بذياك العصير..حرقة الاشواق...
اسمعي البلبل ما بين الحقول...يسكب الالحان...
في فضاء نفخت فيه التلول ...نسمة الريحان.....
لا تخافي يا فتاتي...فالنجوم تكتم الاخبار...
وضباب الليل في تلك الكروم...يحجب الاسرار
لا تخافي...فعروس الجن..في كهفها المسحور....
هجعت سكرى...كادت تختفي عن عيون الحور
ومليك الجن ..ان مرَّ...يروح والهوى
يثنيهِ....
فهو مثلي عاشق....كيف يبوح بالذي
يضنيهِ.
رحم الله شاعرنا الشهيد...وتغمده بوافر رحمته ورضوانه..............


ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق