الخميس، 28 يونيو 2018

** بابا نويل ..والأحلام المؤجلة ** ق.ق بقلم الشاعر والقاص احمد حسين العلي


بابا نويل ..والأحلام المؤجلة          
                   
                       ( قصة قصيرة.. بقلمي )

امتشق البرد سيفه القاطع  ..وتسربلت السماء بالغيوم البيضاء الحبلى ببشائر الخير والفرح ثم تساقط الثلج من كبد السماء كندف القطن الناعمة فغطى الأسطح وأكسى الأشجار التي أصبحت كعروس فاتنة ترتدي ثوب زفافها وتضع على رأسها إكليلآ من الياسمين الأبيض..
ومن وراء النافذة كان ( فؤاد ) يتأمل هذا المنظر البديع وسياط الوحدة الكئيبة تلسع روحه فتجعل حياته تمر برتابة مملة وضجر قاتل .. فجأة يرقى إلى سمعه صوت أجراس الكنائس الذي ينشر صداه في فضاء المكان معلنآ رحيل عام من العمر و بدء عام جديد ، آنذاك صار يبتهل إلى الله - كديدنه في كل مرة - بأن يكون هذا العام اجمل من العام الماضي وان تكون ايامه اجمل من سابقتها..فيعيد تدوير أحلامه وأمانيه المؤجلة ..وبعد برهة من الوقت - لايدري إن طالت أم قصرت - ذلك لأن عنصر الوقت يذوي و يضمحل في حالات الإنبهار وانشغال الذاكرة بأفانين الذكريات ، أحسّ ( فؤاد ) برعشةٍ تسري في عروقه بسبب اشتداد البرد ، فعاد إلى كرسيه الهزاز الذي أسنده قبالة موقد النار و ألقى بثقل جسده عليه ، فترنح الكرسي مصدراً صريراً كأنين العليل.. مد يده إلى كومةٍ من الخشب المقطّع و قذف إحداها في أتون الموقد المشتعل فازدادت حدة اللهب وصدر عن الحطب فرقعةً  ناعمة وتطاير الشرر كأنه شهبٌ تخرّ من السماء ، ثم صار يحرك الجمر المتقد بقضيب معدني فتتحرك بمخيلته صورة رائعة ل ” بابا نويل “ ببزته الحمراء ، وحذائه الطويل اللامع ، وقلنسوته المدببة ، ولحيته البيضاء المسترسلة .. هذا العجوز الودود ، المرح ،الذي لطالما فرح الناس لدى سماع القصص الرائعة ، والحكايات الخرافية التي كانت تتحدث عن قدومه في أعياد رأس السنة بعربته ذات المزاليج، التي يجرها عدد من الأيائل ذوات القرون المتشعبة ، ثم يدخل ” بابا نويل “ إلى البيوت حاملاً على كتفه كيسآ قماشياً ضخماً بداخله أجمل الهدايا وأروع الدمى التي كان يجود بها على الأطفال الطيبين ، بينما لم يكن يحظى الأطفال الأشرار إلا على كوابيس مزعجة تقلق راحتهم ، و تؤرق ليلتهم ، وذلك لأن العيد لا يمر بمن امتلأت جوارحهم بالضغينة والكراهية  ..
كان الأطفال قد علقوا جواربهم الملونة والتي ضمّنوها أحلامهم البريئة كبراءة طفولتهم وذلك لينالوا بدلآ منها هدية رائعة من  " بابا نويل " كما جرت العادة ،فيما كانت شجرة الميلاد تزخر بزينتها البراقة والمصابيح الملونة فتضفي على المنزل طقوس المحبة والسلام ..وفي وسط الغرفة طاولة تزخر بأطايب الطعام والحلويات وقد رصف حولها الكراسي الخشبية الأنيقة ليجلس عليها  أفراد الأسرة مع ضيوفهم ويحتفلوا بهذه الليلة البهيجة المجيدة.
تنهد ( فؤاد ) بحسرة وانكسار حين التفت حوله ولم يجد من يؤنس وحدته ، فحمل جوربه و علّقه فوق موقد النار ..ثم غالبه النعاس ،فأغمض عينيه وهو يمنّي النفس بالحصول على هدية عيد الميلاد !!
لكنه حين استفاق في الصباح اكتشف أن جوربه قد سقط في نار الموقد التي التهمته والتهمت معه أحلامه المؤجلة !!

                                        - تمت -
أحمد حسين العلي / سوريا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تشطير نص الوداع الأخير ( عمودي) للشاعرة البليغة أمل كريم وسوف

تشطير قصيدة الشاعر الاريب والاديب والناقد. عماد احمد  ........ الوداع الأخير........  (شوقِي وبالقلب لا بالفَيْس قد حظَرَكْ) وأغلقَ البابَ ي...