من كتابي حلب في رحاب التاريخ والأدب
خليل هنداوي
1906 - 1976
ينطبق على الأديب الأستاذ خليل هنداوي وصف الأديب الشامل، فقد كتب في كل أنواع الأدب من قصة ومقالة وشعر ومسرح. وترجم عن الأدب الغربي كتباً عديدة، وكان مع هذا التنوع الواسع في الكتابة أديباً بارعاً متمكناً من ناصية اللغة العربية وهو الذي مارسها دراسةً وتدريساً زمناً لا بأس به.
وقد مرت حياة الأديب خليل هنداوي بمراحل عديدة. فقد ولد الهنداوي في صيدا عام 1906 في لبنان ودرس فيها الابتدائية والإعدادية ثم رحل بعدها إلى دمشق أيام الحرب العالمية الأولى وأكمل دراسته في صيدا بعد أن عاد إليها مرة أخرى فدرس في معهد المقاصد الخيرية، وبعد أن أنهى دراسته عام 1927 تقدم لإحدى الوظائف، لكن الظروف اضطرته إلى السفر مرة ثانية إلى دمشق فأقام فيها يُدَرِّسُ ويكتب في جريدة الشعب، وانتقل بعدها إلى دير الزور ليدرس هناك عام 1929 واستمر يدرس في دير الزور مدة عشر سنوات وكان تعليم العربية بالنسبة له رغبةً واندفاعاً وانتصاراً للغة العربية في هذا العصر أكثر من مهنة. ولذلك نهل الطلبة على يديه من نهر اللغة العذب واستمتعوا بطيب أسلوبه وإشراق عبارته فكان لهم خير ناصر ومعين ليسلكوا درب اللغة الذي عبده أمامهم.
وفي دير الزور بدأ رحلة الأدب تأليفاً ومطالعة فكان يطالع الكتب العربية والأجنبية وتفرغ لكتابة بعض المقالات والمسرحيات التي جعلت شهرته تبدأ بالوسع.
وفي عهد الأستاذ سعد الله الجابري عندما تسلم الوزارة، وعندما زار دير الزور التقى به وأعجب به وبطريقة تدريسه فنقله إلى حلب سنة 1939 ليستفيد أبناء حلب من علمه وأسلوب تدريسه.
وفي حلب تعرّف على أدبائها ورجالاتها المعروفين. فالتقى الأديب المعروف سامي الكيالي وكتب في مجلته "الحديث" وتعرف على الأديب بشر فارس والموسيقار أحمد الأوبري والشاعر علي الناصر وعلم الشعراء في العصر الحديث الشاعر عمر أبي ريشة الذي تعمقت معه صداقته وكذلك أصدر في حلب بالتعاون مع الدكتور عمر الدقاق أكثر من كتاب مدرسي. ومع الأستاذ لطفي صقال كتاب تيسير الإنشاء ومع الأستاذ عبد الرحمن عطبة كتاب (المورد في الأدب العربي). ثم عُيِّن مديراً للمركز الثقافي العربي في حلب منذ عام 1958 حتى وفاته عام 1976.
نال الأستاذ خليل هنداوي أكثر من جائزة وكرم أكثر من مرة وذلك لغزارة إنتاجه وكثرة عطائه في مجال الأدب فقد كان عالماً قائماً بذاته في دنيا الأدب وكان حب المعرفة رائده في دراسته واطلاعه. يقول عن ذلك: "تريد المحبة الآن أن تطل على العالم بغير طريق الكتب المدرسية.. إن الدراسة الرتيبة المحددة ليست بالزاد الذي يشبعها ولا بالماء الذي يرويها.. وتشاء الأقدار أن تضع في طريقها كتباً فيها روح التحفز إلى معرفة الحياة وتكوين الفكر المستقل الحر"( ).
وقد قرأ خليل هنداوي لكثير من الكتّاب من أهمهم أمين الريحاني وجبران خليل جبران وعباس محمود العقاد والمازني، ومن الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وغيرهم، وتأثر كثيراً بأدب جبران الصوفي الرومانسي وببلاغة الإمام علي من خلال كتابه نهج البلاغة، ويقول عن ذلك: "لقد كنت تلميذاً للريحاني عقلاً وتفكيراً وتلميذ جبران قلباً وخيالاً وشعوراً، وتلميذ نعيمة أدباً وتعبيراً، وتلميذ صاحب نهج البلاغة بلاغةً وأسلوباً"( ).
بلغت أعماله المنشورة حوالي ثلاثين عملاً، وبقي أكثر من عشرين عملاً مخطوطاً. وقد تنوعت أعماله ما بين المسرح والمقالة والقصة والرواية والشعر.
ففي المسرح: كتب أكثر من مسرحية كان يستلهم فيها القصة من الواقع الذي يعيش فيه فكتب مسرحية (هاروت وماروت) ضمنها أفكاراً يهاجم فيها التقاليد العتيقة والأفكار البالية التي لازال يعاني منها المجتمع. وفي سنة 1933 ونتيجة لمعاناة البلاد من أزمة اقتصادية كانت تمر بها ومن تسلط الاستعمار والإقطاع كتب مسرحية (مدينة الجياع) التي وجه فيها صرخة قوية ضد الظلم الاجتماعي وما يعانيه الشعب من جور الإقطاع واستغلاله. ولم ينس الهنداوي أن يلامس القضية الفلسطينية التي هي جرح كل عربي يؤمن بعروبته فكتب مسرحية (طريق العودة) التي يحكي فيها قصة الشعب الفلسطيني وما يعانيه من ويلات الاستعمار والصهيونية ورسم فيها طريق العودة إلى فلسطين كما يراه هو.
ثم كتب مسرحية (الدم لا يصير ماء) وهي مستوحاة من صميم نكسة حزيران وما جرى للعرب فيها من ذل ونكسة. ودعا فيها إلى التشبث بالأرض وعدم التفريط بحبة رمل منها.
وله مسرحيات أخرى منها "سارق النار" و"زهرة البركان" وغيرها.
أما في مجال المقالات والدراسات الأدبية: فقد كتب الأستاذ خليل هنداوي الكثير من المقالات والدراسات الأدبية كانت تحمل في طياتها آراءه النقدية في الأدب والمجتمع. وهناك مقالات له في الطبيعة وصف فيها الطبيعة وجمالها والكون وما فيه من أسرار. وقد نشرت معظم مقالاته ودراساته في المجلات والصحف العربية.
وفي مجال القصة والرواية: فقد كتب الهنداوي روايتين هما (صفحة من حياة باريس) و(إرم ذات العماد). وكتب أيضاً مجموعة قصصية هي (البدائع - الحب الأول، دمعة صلاح الدين).
وترجم كتابي (البؤساء) لفكتور هيجو و(قصة مدينتين) لتشارلز ديكنز، وكتب كذلك سيرة بعض الأدباء والشعراء أصدرها ضمن سلسلة الناجحون للناشئة في بيروت عن دار العلم 1970 من مثل (المتنبي شاعر العرب) وغيرها.
وكتب كذلك سيرة بعض الأدباء الغربيين من مثل (فرانز ليست) و(شوبان) ونشر كذلك سيرته الذاتية.
وأراد أن يسهم في كتابة التاريخ العربي بأسلوب أدبي فأعد مجموعة كتب للناشئة عن أيام العرب فكتب عن (يوم البسوس) في جزأين و(يوم داحس والغبراء) و(يوم بدر) و(يوم أحد) و(يوم فتح مكة) و(يوم حنين) و(يوم القادسية) و(يوم اليرموك) وغيرها.
وكان يختم كل كتاب من هذه الكتب بحديث يستخلص فيه من هذه الأحداث العظة والعبرة للناشئة.
ولم يقف عند هذه الحدود بل راح يقتبس مختارات من بعض الكتب الأدبية المشهورة لكتاب كبار ككتاب (فيض الخاطر لأحمد أمين) اقتبس منه مختارات سماها (المقتبس من فيض الخاطر). وكذلك كتاب (وحي الرسالة) لأحمد حسن الزيات وسماه (المقتبس من وحي الرسالة).
ولم يسلم الشعر من نشاطه المتنوع فكان يدبج القصائد في كل مناسبة تحرك أحاسيسه ومشاعره. سُجلت تلك القصائد في كتابه (الأعمال الكاملة).
ونذكر له هنا بعض الأبيات من قصيدة (أنت وأنا)
أيها السائل عني من أنا؟
أنا من أرسلت قلبي عاشقاً
سأناديك ولو ضاع الصدى
كن كما شئت وخالف مذهبي
مذهبي الحب وإيماني الهوى
أنا ذوب الحب طيباً وجنى
يرحم القبح ويهوى الحسنا
وأدق الباب حتى تأذنا
لن تراني حاقداً مضطغنا
لا غنى كالحب في دنيا الغنى
د عبد الحميد ديوان
* * *
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق