الأحد، 26 يناير 2020

سكوت المرء لا يعني الجفاء : بقلم الكاتب / مبارك البحري

سُكُوْتُ الْمَرْءِ، لاَ يَعْنِي جفاءه

إِنَّ الْقَلَمَ مِنَ الْكَاتِبِ لَيَعْجزُ عَنْ كِتَابَةِ هَذَا الْمَوْضُوْعِ :  لِأَنَّهُ مِنْ صَاغَةِ الْكَلاَمِ. وَرَأَى أَنْ يَكْتُبَهُ  لِشَخْصٍ أَغْضَبَهُ، وَتَرَكَ مُرَّ أَفْعَالِهِ لِلزَّمَنِ لِأَنَّ كُلَّ السَّاقِي سَيُسْقَى بِمَا سَقَى.

إِنَّ سُكُوْتَ الْمَرْءِ عَنِ الْإِجَابَةِ لِمَنْ أَظْهَرَ لَهُ الْجَفَاءَ لاَ يَعْنِي بأَنَّهُ مَسْطُوْلٌ لِأَنَّ سُكُوْتَهُ عَنْهَا تَرْكُ الْكَلاَمِ مَعَ أَنَّ في استطاعته والمقابلة بالمثل، لكنّه أبى أن يُجِيْبَهُ لِأَنَّهُ طَابَ أَدَبًا وَإِرْبًا، وَلاَ يُسِيْء الْأَدَبَ لَهُ لِأَنَّهُ أَدِيْبٌ. وَسَكَتَ عَنْهَا بِمَا قَرَأَ وَفَهِمَ مِنْ قِوْلِ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ رضي اللّه عنه " لَيْسَ كُلُّ مَا يُعْلَمُ يُقَالُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يُقَالُ حَضَرَ أَهْلُهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا حَضَرَ أَهْلُهُ حَانَ وَقْتُهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا حَانَ وَقْتُهُ صَحَّ قَوْلُهُ " أَيْ لِكُلِّ وَقْتٍ مُنَاسِبٍ كَلاَم مُفِيْد. وَينبغي لِلْمَرْءِ أَنْ يَسْكُتَ عَنِ الْإِجَابَةِ لِمَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ لَهُ لِأَنَّ سُكُوْتَ عَنْهَا خَيْرٌ وأفضل لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللَّهِ ﷺ " رَحِمَ اللَّهُ عَبْدًا قَالَ خَيْرًا فَغَنِمَ أَوْ سَكَتَ عَنْ سُوْء فَسَلِمَ "

سَكَتتُ عَنْ إِجَابَةِ ذَاكَ الْوَلَدِ الْهَجِيْنِ لِأَنِّي عِنْدَمَا أَرغبُ فِي الْكَلاَمِ أَصْمُتُ، وَعِنْدَمَا أتْقِن لُغَة الْكَلاَمِ أَصْمُتُ لِأَنَّ مَنْ لَزِمَهُ يَصِيْرُ حَكِيْمًا، جَاهِلاً كَانَ أَوْ عَالِمًا، وَيَسْعَدُ إِذَا كَانَ لِسَانُهُ صَمُوْتًا، وَكَلاَمُهُ قُوْتًا. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّمْتَ فَنٌّ لاَ يخْفقُ أَبَدًا مَنْ كَانَ قَوَّالاً. وَسَكَتْتُ عَمْدًا عَنْ إِجَابَةِ ذَاكَ الْوَلَدِ الَّذِي يُنَفِّرُ عَنْ وَالِدِهِ لِأَنَّهُ طِلْقٌ لِي مِنْ حَيْثُ اسْتَطَعْتُ أَنْ أُجِيْبَهُ عَنْ كُلِّ مَا فَعَلَ لِي، من شتمٍ ولعنٍ وَأيم اللّه لَنْ أُجِيْبَهُ لِأَنِّي مؤدّب وَلاَيُمْكِن لِلمؤدّب أَنْ يُجِيْبَ الْمَائِقَ إِذَا أَسَاءَ لَهُ، وَقَدْ مَنَعَنَا الْإِمَامُ الشَّافِعِي عَنْها

إِذَا نَطَقَ السَّفِيْهُ فَلاَ تُجِبْهُ
                                  فَخَيْرٌ مِنْ إِجَابَتِهِ السُّكُوْت

وَهَذَا مَا فَعَلْتُ لِأَنَّهُ يُكسبُ مَنْ أَلْزَمَهُ صَفْوَ الْمَحَبَّةِ، وَيُؤْمِنُهُ سُوْءَ الْمَغَبَّةِ، وَيلْبسهُ ثَوْبَ الْوَقَارِ، وَيكْفِيْهِ مَئُوْنَةَ الْاِعْتِذَارِ

فَيَا عَجَبًا لِمَنْ لَعَنَنِي، وَأَسَفًا لِهَذِهِ اللَّعْنَةِ، بِلاَ سَبَبٍ ثَابِتٍ، وَقَدْ سَبَّنِي سَبًّا لاَ أَنْسَاهُ فِي حَيَاتِي
وهَلْ أَسْتَحِقُّ ذلك ؟ وَمَتَّى صِرْتُ كَمَنْ لَمْ يَجِدْ فِي جُعْبَتِه إِلاَّ الشَّتْم ؟ ولن أجِيْبكَ عَلَى الْبَدِيْهَةِ، مَهْمَا أَنَا حَاضِرُ الْبَدِيْهَةِ، وَأَصْمُتُ كَمَا أَصْمُتُ عِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ الْبَحْرُ بِصَوْتِ أَمْوَاجِهِ

وَعِنْدَمَا يَبْتَسِمُ وَيَسُرُّ الطِّفْلُ بِثَدْيِ أُمِّهِ حِيْنَمَا يَبْكِي، وَأَصْمُتُ عِنْدَمَا يَكُوْنُ الصَّمْتُ لُغَةً وَاحِدَةً لِلتَّفَاهُمِ فِي جَوٍّ يُسَوِّدُهُ الْكَلاَمُ الْفَارِغ وَالْآرَاءُ الْمُخْتَلِفَةُ، وَالْعُنْجُهِيَّةُ الْفِكْرِيَّةُ

وَيَا قَارِئِي الْعَزِيْز احْفظْ لِسَانَكَ وَاحْبِسْهُ قَبْلَ أَنْ يُطِيْلَ حَبْسكَ أُوْ يُتْلِفَ نَفْسكَ فَلَا شَيْء أَوْلَى بِطُوْلِ حَبْسٍ مِنْ لِسَانٍ يَقْصُرُ عَنِ الصَّوَابِ، وَيُسْرِعُ إِلَى الْجَوَابِ

وَكُنْ عَاقِلاً لاَ ذَا لِسَانَيْن يُجِيْبُ عَنِ الْأَخْبَارِ القَبِيْحَةِ، وَيُسْرِعُ فِي الاِتِّصَالِ بِمَنْ اتّضف بِهَا، وَيلعَنُهُ، احْفظْ لِسَانَكَ فَإِنَّهُ يُسَاعِدُكَ عَلَى أَنْ تَكُوْنَ عَاقِلاً، لِأَنَّ لِسَانَ الْعَاقِلِ لاَ يَقُوْل إِلاَّ جَيِّد الْكَلاَمِ، وَحَقّ الْقَوْلِ، وَلِسَانَهُ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ لِحَدِيْثِ رَسُوْلِ اللَّهِ ﷺ ( لِسَانُ الْعَاقِلِ مِنْ وَرَاءِ قَلْبِهِ فَإِذَا أَرَادَ الْكَلاَمَ رَجَعَ إِلَى قَلْبِهِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ تَكَلَّمَ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أَمْسَكَ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ مِنْ وَرَاءِ لِسَانِهِ يَتَكَلَّمَ بِكُلِّ مَا عَرَضَ لَهُ

✍️مبارك البحري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تشطير نص الوداع الأخير ( عمودي) للشاعرة البليغة أمل كريم وسوف

تشطير قصيدة الشاعر الاريب والاديب والناقد. عماد احمد  ........ الوداع الأخير........  (شوقِي وبالقلب لا بالفَيْس قد حظَرَكْ) وأغلقَ البابَ ي...