الأربعاء، 12 أبريل 2023

ق. ق للكاتب محمد السعيد بصلة

#قصة قصيرة بعنوان"وجهاً لوجه"
**********************

#ظهرت المذيعة على شاشات الإثير وهي تعلن للمشاهدين توقعات الأرصاد الجوية وأنها مُرشحة لمزيدٍ من التدهور ، وتحذرهم أيُما تحذير من مُغادرة منازلهم إلا للضرورةِ القُصوى، فمد يده في فتور ليغلق هذا الجهاز الكئيب، وأخذ يتجول بين حجرات البيت وغُرفه بلا هدف سوى أن يقتل وقت
المساء الطويل المُضجر، وقد وصلتهُ عبر النوافذ المُغلقة بإحكام أصوات رعدٍ مدوٍ يُرافقهٌ ودق الوابل الكثيف والحُبلى به بطن السماء وهو يُبشر بمطرٍ كثيف يغسل به وجه الأرض المُترب والمُدنس بخطايا بني آدم ونزوق شهواتهم اللعينة، وكأن هناك أيدٍ باطشة ترجُ وتهِزُ نوافذ بيته رجاً حتى كادت أن تقتلعها عُنوة فتراجع فزعاً للوراء خشية حدوث هذا فيجد نفسه وجهاً لوجه مع الهابطين من السماء ،عنذئذٍ شعر بحسدٍ شديد لاهل القبور فهم في مأمنٍ من هذة الإعتداءات الوحشية حتى تمنى لحظتها أن لو كان هيكلاً عظمياً ينعم بالهدوء في قبر ما لا يرى ولايسمع ولا يشعر بما يدور حوله وروحه طليقة وقد تحررت من قيود سجن الجسد و تحلق بعيداً بعيداً في سماوات العُلا في تلقائيةٍ وإنسياب.
..قرر صاحبنا أن يخرج الي الشارع في تحدٍ للمذيعة الساذجة رغم رجاءها الحار، وقد خُيِلَ إليه أنها كانت تخُصه هو وحده بهذا النداء الحار، فالخروج إلى الخطر ومجابهته هو في زعمه أهون من توقعه وإنتظاره، فهو لن ينتظر حتي تفتح عليه الرياح العاتيه مخادع راحته ونومه وتضاجعه في كوابيس منامه، بل سينزل لها في عُقر عنفوانها بالخارج.ألقى بجسده الطويل الممتد داخل معطف طويل وسميك يتجاوز ركبتيه وأسقط فوق رأسه طاقية من جلدٍ طبيعي مُبطنة بصوف نقي وتغطي أذناه وقد أحاطت بجانبي وجهه وأسفل ذقنه فاختفت كل ملامحه الخمرية إلا من عيناه وحواجبه، وقبل أن يهِم بالخروج القى بنظره حانيه على نفسه في مِرآه ناحية باب الخروج فلم يتعرف على جسده الذي كان مُختبأً خلف الزى الثقيل وما لمح منهما الا عيناه تبدوان من بُعدٍ سحيق. اختفي الأحياء من الشوارع وسيطر ظلامٌ رهيب من إنقطاع التيار الكهربائي الا من بطاريات سيارات بعض راكبى السيارات،
وكان هناك بعض السابلةالقليلة من الناس والتي تعدو في الشارع علي غير هدى وتكاد ان تتخبط وتتصادم فى بعضها البعض، وكان لا يقطع هذا الظلام الدامس إلا وميض البرق الساطع المتبوع بدوي الرعد المزلزل والذي يزلزل قلبه بشده وعنف ،فأخذ يجري ويعدو كالمستغيث الملهوف ليحتمي ببواكي ودهاليز البيوت المتراصة في شارع طويل متصل ليحمي نفسه من سيول المطر الهاطله من كل إتجاه والتى تسوقها الرياح المُزمجرة بسياط، ولكنه توقف فجأه وقرر أن يتحدي الرياح كجندي شجاع على الجبهة ويلقي بنفسه في عرض الطريق. وخُيِلَ إليه فجأه أنه وجدَ مُندساً آخر يُشبههُ ويُلقي بنفسهِ في عرض الطريق متحدياً الريح والأنواء نفسها ويرتدي نفس الملابس وكأنهُ هو، فهمس فى نفسه : ذلك رجلٌ شجاع آخر مثله هزم الخوف وخرج متحدياً ثلاثي الريح والبرق والرعد،وفجأةً راودهُ خاطر آخر سخر منه للحظةٍ ثم ملأهُ بالخوف : إنه أنا.. فهذا الرجل الذي يقف في منتصف الشارع ويتقدم منه في ثقة إنهُ أنا فلا أحدٌ حولنا إلا أنا وهو ..وقف مذهولاً للحظات وأفاق علي سارينة سيارة خاصة تمر في عرض الطريق المُسفلت وبجوار أقدامه جاءهُ صوت مكتوم من وراء زجاج السيارة يناديه من داخلها : إتفضل إركب..ولما لم يُجِب إنصرف صاحب السيارة مُتعجباً.إنتبه صاحبنا لنفسه وقال : علي من ينادي صاحب السيارة؟ أعليهِ أم علي الآخر ؟ ولماذا لم يركب أحدنا معه ؟ هز رأسه بقوة وكأنه يُنفض عنها غُبار التهاويم والأوهام.ونظر مرةً أُخرى حولهُ فلم يجد شخص آخر حوله .فانشرحت سريرة نفسه واطمأنت والبرهان أن صاحب السيارة لم يوَّجه الدعوة إلا لفردٍ واحد منهما أى لا أحدٌ كان يقف بجواره.ثم راودهُ هاجس مضاد فمن الجائز أن صاحب السيارة العابرة لم يرى الآخر ورآه هو فقط ولكن أين ذهب الآخر؟ ولم يكن غيرهما في قلب العاصفة؟ وعاد أدراجهِ يقول لنفسه وقد إنحبس صوته تماماً من الرعب وهمس يُحدثُ نفسه ثانيةً :الإنسان لا يرى نفسه إثنين إلا إذا كان أمام المِرآه وأنا الآن أمشي وسط الشارع .سأقومُ حالاً بتجربة لأتأكد تماماً أن ليس بي خللٌ أو مسٌ من الجنون والسفه سأخلعُ مِعطفي وأُجرد رأسي من غطاءها فإذا بقى الآخر على حاله داخل ملابسه فسيكون بالتأكيد شخصاً آخر غيري.ورغم إنهمار المطر وصراخ الريح العاصف أخرج نفسه من طاقيته أولاً فإذا بالآخر أمامه يفعل نفس الشئ وأن الأمر باتَ جلياً انه هو بلا أدنى شك .إلتقت عيناهما فتجمدت قدماه من الرعب ووقف مكانه فوقف الآخر مكانه غيرُ بعيدٍ عنه.وقف بُرهه وقال في نفسه : اذا كان هو نفسه فلماذا الخوف ولماذا أخاف من أنا؟ وأنا هذا سيحرسني وسأكون في حِماه فكل الناس قد يتحولون لأعداء الا أنا فلن أكون عدواً لنفسي أبداً وهو لن يكون عدواً لي فأنا لن أنقلب عليه وهو لن ينقلب علىَّ فلماذا الخوفُ إذن؟ ثم فجأة أغرورقت عيناهُ بالدموع ووجد الآخر يبكي معه ويتجهان سوياً إلى دارهما ليؤنسا وحدتهما معاً#

#بقلمي/محمد السعيد بصلة#

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

تشطير نص الوداع الأخير ( عمودي) للشاعرة البليغة أمل كريم وسوف

تشطير قصيدة الشاعر الاريب والاديب والناقد. عماد احمد  ........ الوداع الأخير........  (شوقِي وبالقلب لا بالفَيْس قد حظَرَكْ) وأغلقَ البابَ ي...