قصيدة معارضة لقصيدة خليل مطران "سجدوا لكسرى إذ بدا إجلالا" معارضة لها في الوزن والقافية والموضوع والحجم.
بنت الوزير بُزَرْجُمَهْر
حـسـنـاءُ مـثـلُ الـشـمـسِ حـيـنَ تَـلالا
رَأْدَ الـضُّـحـى خـطـرتْ تَـمـيـسُ دَلالا
والـحـزنُ بـادٍ فـي مُـحَـيّـاهـا وقـد
أكْسى الأســى مــنــهــا الــجَــمــالَ جَـمـالا
والــدمــعُ تـنـثـرُهُ الـعـيــونُ لَآلِـئـًا
يـجـري عــلـى الـخـدِّ الأســيـلِ مُـسـالا
شــقَّـتْ صـفـوفَ الـنـاس تُـبـدي عــزةً
سَــفَـرَتْ و أوْلَـتْ جَـمْـعَـهُـم إهْــمـالا
مـا راعــهــا جــنــدٌ و لا حـشـدٌ و لا
مَــلِـكٌ يَــعــيــثُ بـشــعــبـه إذلالا
وكـأنَّها أسـدٌ تَـفَـرَّسَ في الوجوه فـظنَّـهـا
لـمّـا اعْـتـراهــا الـذُّعـرُ مـنـه رِئـالا
لـكـنّـهــم لــمّــا بــدتْ شـامـوا بـهـا
عِــزًّا تَـفَـرَّدَ فـي الـوجــودِ مِـثـالا
فـطـغـى الـوجـومُ عـلـيـهِـمُ و انْـتـابَـهُـم
مَــسٌّ تَــمَــثَّــلَ لَــمَّــةً و خَــبــالا
أحْـرى بـهـا أن يـنـحـنـوا ويُـطَـأطِـئـوا
أعــنــاقَــهــم لإبــائــهــا إجْــلالا
**********
واسْـتـاء كـسـرى حـيـنَ مـرتْ حـرةً
ألـقَـتْ عــلــيــه مــن الـهــوانِ ظِـلالا
و كـأنَّ تــاجَ الــمُــلْـكِ خَــرَّ مَـذَلَّـةً
لــمّــــا تَــبَــدَّتْ هَــيْــبَــةً و جَـلالا
والـصَّـوْلَـجـانُ قــد اسْـتَـخَـفَّ بـزِنـدِه
وتَـضَـعْـضَـعَ الـعـرشُ الـعـظـيـمُ و مـالا
مـا كـان والــدُه أنـوشَــرْوان يَـــرْ -
ضـى بـالـذي فـعـل ابـنُـه اسْــتِـجْـهـالا
لــمّــا قـضـى بـِبُـزَرْجُـمَـهْـرَ بـفِـتْـنـةٍ
مِــنْ حُــسَّـــدٍ قـــد أوْغــلـوا إيـغـالا
هم شَرُّ شِرْذِمَةٍ غَيارى ما ارعَوَوْا
عن غَيِّهم و بَغَوْأ عليهِ مِحالا
لكنَّ كسرى من سَخافةِ عقلِهِ
أغْضى و أَتْبَعَ لُمَّةً ضُلاّلا
فـقـضى الـسـفـيـهُ عـلى الحـكيـمِ بجهلـه
حُـكْـمـًا لــيُــرضـي لُوَّماً عُـذّالا
مـا كـان أاجْــهــلَــه غَـــداةَ أجـابَـهُـم
لِــمُــرادِهــم و اسْــتَــوْزَرَ الــجُــهّـالا
************
جـاؤوا بـه مـن سِـجـنِـه فـي مَـوْكِـبٍ
شَــدّوا عــلــيــه كَـمُـجــرمٍ أغْـلالا
والـنـاسُ قـد حُـشِـدوا لـرُؤيـةِ مَـشْـهَـدٍ
لِـيـكـونَ لـلـشـعـبِ الـذلـيـلِ مِـثـالا
فـيُـصَـفِّـقـون و يـهْـتُـفـون لـســيِّـدٍ
تَـخِـذَ الـرُّؤوسَ الـفـارغـاتِ نِـعـالا
و يَـرَوْن ثَـمّ وزيـرَهـم ذاكَ الـذي
أرْســى الـعــدالـةَ بـيـنـهـم و أَدالا
فـبـه الأمـورُ اسْـتُـحْـكِـمَـتْ و تَناصَفتْ
مــا ضَــرَّ سـَــبْـعـًـا أو أدَلَّ غَـزالا
قــد كُـبِّـلـتْ أطْــرافُــه بـسـلاسـلٍ
ألـقَـتْ عــلــيــه بـعِــبْــئِـهــا أثْـقـالا
ويُـسـاقُ نـحـوَ الـمـوتِ هـل مِـنْ شـافِعٍ
كـسـرى تَـأمَّـلَ فـي الـحُـضـورِ و قـالا
تـبًّـا لـهـم لـو أنّـهـم وقَـفـوا مـعـًـا
فـي وجهِـه و اسْـتـبْـسـلوا اسْـتِـبْـسـالا
لَأراعَــه مـنـهــم تَــوَحُّــدُ صـفِّـهــم
و انْـصـاعَ لـلـحـشْــدِ الـغَـفـيـرِ مُـذالا
حُـلُـمٌ يُـراوِدُهُـم و لـكـن عَـجْـزهُــم
أرْخــى عــلــيــهِــم دونَــه أسْــدالا
داءُ الـمَـهـانــةِ إنْ فَـشــا فـي أمّـةٍ
أمْـسـى إذا أَنِـسَ الـقُـبــولَ عُـضـالا
تَـأْبى الشـعوبُ الشـامخاتُ رؤوسُـهـا
أنْ تُـسْــتــبــاحَ بــذِلَّــةٍ و تُــنــالا
وإذا اقْـتـضَـتْ مـنـهـا الكرامـةُ مَـنْـعَـةً
بـذلـتْ لـهـا الأرواحَ و الأمـوالا
مــا راعَـهــا فـقـرٌ بِــوافِــرِ عِــزَّةٍ
مـهـمـا اسْــتَـبَـدَّ ولـن تَـخـافَ زَوالا
فـالـمـجــدُ إمّـا و الـحـيـاةُ كـريـمـةٌ
تـحْـيـا بـهـا أمّـا الـمَـهـانــةُ لا لا
والـعـيـشُ إمّـا و الــنــفــوسُ أبِــيَّــةٌ
أو لا فَـحَـيِّ الــمــوتَ ثَــمَّ مَـآلا
والـخـانـعـات إلـى رضـى حـكامـهـا
ســتـظـل تـحـت عـروشــهــم أرذالا
ســتـسـام خـسـفـا بـالـنـعــال مـهـانـة
وتـعـيـش فـي ظـل الـخـضـوع ذِلالا
وإذا اسْـتـمـرَّ الـنـاسُ فـي اسْـتِـمْـرائِهِم
طَـعْـمَ الـهَـوانِ تَـجَـرّعـوه جُــذالـى
حـتّـى الأســودُ إذا الـكـرامـةُ أُزْهِـقـتْ
صــارتْ نِـعـاجًـا لـلـكــلابِ سِــخـالا
رَضَخوا لِكسرى وارْتَضَوْا أن يُصْبِحوا
رُكــبًــا لــه و لآلِــه و رِحـالا
ولقد بَـدَوْا كـحـمـيـرِ وَحْـشٍ فـي الـفَـلا
قـــد فُـزِّعـوا لـمّــا رَأَوْا رِئْـبـالا
فـتـفـرَّقـوا بِـقـلـوبِـهــم شَــتّـى و إنْ
كـانــوا جـمـيـعـًـا، قُـطِّـعــوا أوْصـالا
هم يـشهـدون الـيـومَ مَـصْـرعَ رمزِهم
وهُـتـافُـهــم لِــزَعــيـمِـهــم يَـتَـعــالـى
وقـلـوبُـهــم تـدْمـى عـلـيـه حَـزيـنـةً
تـبـكـي ـ و يـهْــمـي دمـعُـهــا شَـلّالا
الـخـانـعــون و فـي الـقـلـوبِ إرادةٌ
تـبـقـى، بـمـا حَـشَــدوا لــهــا، أقْــوالا
تـأْبـى الـمـروءةُ أن تـكـونَ مـقـالـةً
تـسْــتـنـطِـقُ الأحـلامَ و الآمـالا
وتـظـلّ في قـفـصِ الـعـقـولِ حَـبـيـسـةً
لا تــرْتـجـي فـي الـقـائـلـيـن فِـعــالا
مَـنْ رامَ بـالـصَّـمـتِ الـعُـلا لِـيَـنـالَـهـا
فـالـشـمـسُ أقـربُ أن تـكـونَ مَـنــالا
************
ولـقـد أتـتْ تـلـك الـجـمـيـلـةُ بِـنـتُـه
جـاءتْ لِـتـشْـهـدَ فـي الأنـامِ ضَـلالا
وأطـلَّ كـسـرى مِـنْ مَـشـارفِ قصْرِه
و أدارَ طَـرْفًـا في الـورى و أَجـالا
ورأى هــنـالـك مـا أثـارَ فُـضـولَـه
و لَــرُبَّــمــا قـــد راعَــه إجْـفـالا
أوْمـا إلـى بـعـضِ الـجـنـودِ بـرأسِـه
فـأجـابــه طَــوْعَ الإشــارةِ حـالا
مُـرْ ســيِّـدي فـالأمـرُ أمـرُك إنّـنـي
إنْ شِـئـتَ أُذْري فـي الـعـيـونِ رِمـالا
أوشـئـتَ دَكَّ الأرضِ تـحـت مُـطِـيِّـهِـم
لَـصَـنـعْـتُ فـي أرجـائِـهــا زِلـزالا
أو شـئـتَ قـلْ لـي مـا تـشـاءُ فـإنّـنـي
رَهْـنُ الـمَـشـيـئـةِ أسْـتَـخِـفُّ جِـبـالا
فـبـدَتْ عـلـى كسرى سِـماتُ تَعَجْـرُفٍ
حـتّـى تَـمَـطّـى و اشْـرَأبَّ و طـالا
وأشــارَ نـحْــوَ الـبـنـتِ إذْهـبْ واْتِـنـي
بِـحَـديـثِـهـا قـد أشْـغـلـتْ لـي بـالا
فـأتـى إلـيـهـا فـي الـزِّحـامِ رســـولُـه
يُـلـقـي عـلـيـهـا كـي تُـجـيـبَ سُـؤالا
مـا أنـتِ يـا أنـتِ الـتـي سَــفَـرَتْ ولـم
تـأبـهْ و تُـلـقِ مِـنَ الـعـِـنــايـةِ بـالا
أوْغَـرْتِ صـدرَ مَـلـيـكِـنـا بِـجَــراءةٍ
وأتَـيْـتِ فـي خَـلْـعِ الـحـجــابِ مُـحـالا
وضربْـتِ بـالـعـاداتِ عُـرضَ جِـدارنـا
و سَــفَـحْـتِـهـا شَـرفًا أُريـقَ فـسـالا
و بِــلا مُـبـالاةٍ رَمَـقْـتِ جُـنـودَنـا
وعَـزَفْـتِ عـنـهـم يُـمْـنَـةً وشِـمـالا
وأَعَـرْتِـنـا ظَـهْـرًا و رُمْـتِ تَـجـاهُـلا
ورمـيـتِ عـن قـوسِ الغُـفـولِ نِصالا
قـالـتْ أنـا بـنـتُ الـحـكـيـمِ بُـزُرْجُمَهْ -
رَ أتـيـتُ أشــهــدُ لـلإبـاءِ زَوالا
قـد جـئـتُ ظـنًّـا أنَّ فـيـكـم نُـصْـرةً
لـلـحـقَّ كـادتْ أنْ تـكـونَ مِـثـالا
و بـأنَّ فـيـكـم لـلـشُّـمـوخِ مـكـانـةً
و بـأنَّ فــيـكـم يــا نـسـاءُ رجـالا
فـوجـدتُـكـم حُـمُـرًا تَـخَـبَّـطُ ضَـلَّـةً
لـم ألـفِ بـيـنَـكُـمُ نُـهـىً عُـقّـالا
و وجـدتُ أنَّـكُـمُ سُــدىً إلا إذا
رامَ الـمـلـيـكُ مـع الـعــدوِّ قِـتـالا
أرَضـيـتُـمُ قـتـلَ الـوزيـرِ و كـم لـه
فــيــكـم أيـادٍ وُزِّعَــتْ إفْـضـالا
كـم حـلَّ مـشـكِـلـةً ومـعــضِـلـةً وكـم
فَــكَّ الــعُــرى أنَـســيـتُـمُ الـحَـلّالا
يـا ويـحَـكُـمْ مِـنْ بـعْـدِ فَـقْـدِ حَـكـيـمِـكُمْ
ســـتُـكـابـدون بُـعَـيْـدَه الأهْــوالا
وســتـنـدمـون و لاتَ حـيـنَ نـدامـةٍ
وســتـنـحَـبـون و لـيـس ثَـمَّ ثـكـالـى
فارجع ْ إلى كسراكَ أنتَ و قل له
بعَثَتْ إليكَ معي الفتاةُ مقالا
عِشْ ما تشاءُ فلن تعيشَ مؤبدا
و اعْجَبْ بنفسكَ زاهياً مُخْتالا
و اعلمْ بأنَّكَ بعدَ ذلكَ ميِّتٌ
مهما بكَ الزمنّ المُنَعَّمُ طالا
لن يفتديكَ الشعبُ حُراًّ راضِياً
و اسْألْ مَنِ اسْتَوْثَقْتَه مِرْسالا
و لسوف يحيا إذْ تموتُ سعادةً
إلاّ إذا خلَّفتَ بعدكَ آلا
و لكلِّ كسرى في الوجود نهايةٌ
مهما تَجَبَّرَ طاغياً و تعالى
و لسوف يلْعنُه الزمانُ لِذكرِهِ
تباًّ لِذِكْرِ الظالمين مُوالى
لن يستُرَ التاريخُ سَوْأةَ فِعْلِه
مهما عليه منَ العصورِ تَتالى
ستظلُّ ناصِعةَ السوادِ وإنْ مضى
و إنِ انْقَضى دهرٌ عليه و حالا
مـا كـنـتُ أجْـرُؤُ أن أزيــلَ نِـقـابَـكـم
لــو أنَّ فــيــكــم ثُــلَّــةً أبـطـالا
م. نواف عبد العزيز
أبو عبادة
26/11/2023
